قطر – العالم الحر : قال سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان، نائب وزير البترول السعودي، أمس الإثنين في اجتماع «الطاولة المستديرة السادس لوزراء البترول والطاقة لدول آسيا» في العاصمة القطرية الدوحة، أن أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم ستواصل الاستثمار في قطاع النفط والغاز لديها. وقال في كلمته في الاجتماع «بالنسبة لدولة رئيسية لديها احتياطيات هائلة من البترول ومنتجة ومصدرة لكميات كبيرة كالمملكة العربية السعودية، فإن تركيزنا دائما ينصب على الاتجاهات طويلة الأجل التي تشكل وضع السوق البترولية.» وقال انه «عوضاً عن اعتبار البترول سلعة تواجه انخفاضا مطردا في الطلب – كما يحلو للبعض أن يصوروا الوضع- تشير أنماط العرض والطلب إلى أن الأساسيات طويلة الأجل لقطاع البترول لا تزال قوية ومتماسكة.» وتعطي التصريحات إشارة على أن المملكة العربية السعودية ذات الثقل في منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» راضية عن استراتيجيتها، المتمثلة في عدم خفض إنتاجها والسماح بهبوط الأسعار، كي تنخفض الإمدادات من دون فقد حصتها السوقية لصالح منافسيها. وقال الأمير عبدالعزيز ان خفض الاستثمارات في قطاع البترول في أماكن أخرى من العالم سيؤدي إلى تراجع إمدادت الخام من الدول غير الأعضاء في «أوبك» في 2016 وما بعده، مستبعدا امكانية تغير هذا الاتجاه. في الوقت ذاته يرى الأمير ان نمو الطلب الذي تغذيه آسيا في الأساس سيظل قويا، وإن كان أبطأ من الماضي. واكد ان العوامل الأساسية في سوق النفط مازالت قوية في المدى الطويل، لكن انخفاض الأسعار لفترة طويلة قد يهدد أمن الإمدادات ويمهد السبيل لارتفاع الأسعار. وقال أيضا «انخفاض أسعار البترول ليست مستدامة أيضاً، لأنها ستؤدى إلى انخفاض كبير في الاستثمارات، وتراجع في مرونة الصناعة البترولية، وهذا سيؤثر على أمن الإمدادات مستقبلا ويمهد لارتفاعٍ حاد آخر في مستويات الأسعار.» وأضاف «وكما ثبت خطأ التأكيدات السابقة قبل سنوات بأن سعر البترول سيصل إلى نحو 200 دولار للبرميل، فإنه سيثبت أيضاً خطأ التأكيدات الراهنة بأن سعر البترول قد انتقل إلى توازن هيكلي منخفض جديد.» وأجلت شركات النفط حول العالم مشروعات تبلغ قيمتها نحو 200 مليار دولار، من بينها مشروعات متطورة ومرتفعة التكلفة مثل مشروعات الرمال النفطية في كندا، والمياه العميقة في أفريقيا وجنوب شرق آسيا. لكن يبدو أن المملكة العربية السعودية حريصة على ان تبعث برسالة إلى السوق مفادها أنها ماضية في مشروعاتها ذات الصلة بالنفط والغاز. وقال الأمير عبدالعزيز «المملكة العربية السعودية، تلتزم باعتبارها منتجاً مسؤولا وموثوقا، ذا رؤية طويلة الأجل، بمواصلة الاستثمار في قطاع البترول والغاز، وبصرف النظر عن الانخفاض الذي قد تشهده الأسعار.» وأضاف «من شأن هذه الإجراءات أن تعمل على ترسيخ ثقتنا بالأساسيات طويلة الأجل لأسواق الطاقة، وتبين في الوقت ذاته الأهمية التي توليها المملكة العربية السعودية للمحافظة على إمكاناتها وقدراتها في مجال تصدير البترول، مع الاحتفاظ بطاقة إنتاجية غير مستغلة.» كما رفض الأمير عبدالعزيز الفكرة التي يطرحها بعض المحللين والمتمثلة في أن الهبوط الحالي في أسعار النفط يشبه ذلك الذي حدث في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وقال أن «المستويات المنخفضة الحالية من الطاقة الإنتاجية غير المستغلة، وقوة تنامي الطلب العالمي، تشيران إلى أن أساسيات السوق الآن تختلف عما كانت عليه في بداية ثمانينات القرن الماضي، وأن مقارنة الأوضاع الحالية بتلك الفترة مقارنة في غير محلها.» وقال الأمير عبدالعزيز إن معدل استهلاك النفط عالميا كان فوق 59 مليون برميل يوميا بقليل في 1985، وكانت الطاقة الإنتاجية غير المستغلة عند مستويات مرتفعة بشكل غير مسبوق عند أكثر من عشرة ملايين برميل يوميا، مما يعني أن نسبة الطاقة الإنتاجية غير المستغلة إلى معدل الإستهلاك العالمي كانت 17 في المئة. وفي 2015 يقدر حجم استهلاك النفط بنحو 94 مليون برميل يوميا، بينما يبلغ حجم الطاقة الإنتاجية غير المستغلة – ومعظمها في المملكة العربية السعودية- نحو مليوني برميل يوميا، أي أن نسبة الطاقة الإنتاجية غير المستغلة إلى حجم الاستهلاك تبلغ نحو اثنين في المئة فقط. وقال الأمير عبدالعزيز ان قطاع البترول واحد «من القطاعات القليلة في العالم التي تعمل بطاقة إنتاجية غير مستغلة ضئيلة، علما بأن الطاقة الإنتاجية غير المستغلة تعد وثيقة تأمين وضمان ضد التغيرات غير المتوقعة في أوضاع السوق البترولية، وتمثل في الوقت ذاته عاملاً مهماً وأساسياً للمحافظة على استقرار أسعار البترول والاقتصاد العالمي على حد سواء». نفس الموقف الذي عبرعنه الأمير عبد العزيز تكرر تقريبا على لسان عبد الله البدري، الأمين العام لـ»أوبك» الذي قال انه يتوقع أن تصبح سوق النفط أكثر توازنا في 2016 مع استمرار نمو الطلب. وأضاف» نتوقع استمرار النمو القوي للطلب العالمي على النفط. نتوقع تراجع المعروض من خارج أوبك. ونتوقع زيادة الطلب على خام أوبك». وقد بحث المنتدى، في اجتماعه الذي استمر يوما واحدا، ثلاثة محاور رئيسية تتعلق بالوضع في سوق النفط العالمي والطلب المستقبلي، ومستقبل صناعة وامدادات الغاز الطبيعي والفحم الحجري، الذي يحتل المرتبة الثانية اسيويا بين اكثر مصادر الطاقة استخداما، إضافة إلى بحث الطاقة المتجددة ومدى إسهامها في توفير مصادر نظيفة للطاقة في آسيا . من جهته قال وزير الطاقة الإماراتي، سهيل المزروعي، ان أسعار النفط العالمية ستبدأ تصحيحا صعوديا في 2016 نظرا لأن الأسواق بدأت تستعيد توازنها. وأضاف أن الإمارات لا تستطيع، بوصفها أحد أعضاء منظمة «أوبك»، أن تقبل بفقد الحصة السوقية عن طريق تقليص المعروض، مما يشير إلى استمرار دعم استراتيجية أوبك القاضية بالدفاع عن الحصة السوقية عن طريق الإنتاج المرتفع والأسعار المنخفضة. وقال المزروعي إنش تراجع أسعار النفط لن يجبر الإمارات العربية المتحدة على تقليص خططها الاستثمارية حيث تمضي قدما في زيادة الطاقة الإنتاجية إلى 3.5 مليون برميل يوميا. وقال عبد الله ناصر السويدي، رئيس شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، ان الإمارات العربية المتحدة سترفع طاقة إنتاج النفط لديها إلى 3.5 مليون برميل يوميا في غضون العامين إلى الثلاثة أعوام المقبلة. أما مضيف المنتدى، الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، الذي افتتح جلسة المنتدى فقال أن قطر ملتزمة وماضية في تنفيذ المشاريع التنموية الكبرى على الرغم من التراجع الكبير في أسعار النفط، كما اكد التزام حكومته بعدم الإخلال بتمويل هذه المشروعات، وكذلك الالتزام بالبرامج الزمنية المرتبطة بها، وحرص الحكومة في هذه المرحلة على تعجيل تنويع الاقتصاد القطري والتنمية السريعة للأنشطة غير البترولية في مساهمتها في الاقتصاد والنمو. وقال ان الحكومة القطرية حريصة على رفع معدل مساهمة القطاع الخاص في استثمارات الدولة والزيادة التدريجية لدور القطاع الخاص في المنظومة التنموية للاقتصاد. من جانبه قال وزير الطاقة والصناعة القطري محمد السادة أن انخفاض أسعار النفط والغاز الطبيعي يهدد الجدوى الاقتصادية للمشاريع الجديدة، ويؤخر المشاريع المزمع تنفيذها، ويقلل من تدفق الاستثمارات، مشيرا إلى انخفاض الاستثمارات العالمية في مجال التنقيب عن النفط وإنتاجه خلال العام الحالي 2015 بمقدار 130 مليار دولار، أو ما يقارب 20 في المئة مقارنة بالاستثمارات في العام السابق 2014 . وقال ان هذا « يبعث على القلق بشأن مستقبل هذه الصناعة مما قد يؤدي إلى نقص في الامدادات وما يتبعه من عواقب «. وأوضح أن الدول وشركات النفط الوطنية والعالمية قد شعرت بوطأة الانخفاض، وعانت اقتصادات الدول المنتجة للنفط من العجز في ميزانياتها، في حين استفادت الدول المستهلكة من انخفاض الأسعار، مشيرا إلى أن الارتفاع الكبير في امدادات النفط الصخري وضعف نمو الطلب العالمي قد لعب دورا كبيرا في انخفاض الأسعار،وتسبب في تداعيات أهمها انكماش الاستثمار في مشروعات التنقيب وتطوير صناعة النفط والغاز وتغير أنماط التجارة في هذه السلع . وأشار السادة إلى أن دول آسيا، التي تضم أكبر المستهلكين في العالم للطاقة، بحاجة إلى تبادل وجهات النظر بشأن أوضاع السوق واتخاذ التدابير لتصحيح توجهات السوق بما يتيح للاقتصادات العالمية بما فيها الاقتصاد الآسيوي لتحقيق التنمية المستدامة. وقال ان التأثير المحتمل للتخفيضات الحالية في الإنفاق على إنتاج النفط في المستقبل سيكون جوهريا وممتدا. وأضاف «من المتوقع أن تنخفض إمدادات الدول المنتجة من خارج منظمة أوبك في عام 2016، أي بعد عام واحد فقط من تخفيض الاستثمارات. أما بعد عام 2016 فإن انخفاض إمدادات الدول المنتجة من خارج أوبك، سيكون بوتيرة أسرع، لأن إلغاء المشاريع الاستثمارية وتأجيلها سيظهر تأثيره على الإمدادات المستقبلية، كما سيتلاشى تدريجياً تأثير الاستثمارات في مجال إنتاج البترول التي جرت خلال السنوات الماضية.» وقال الأمير عبدالعزيز بن سلمان «أظهرت الدورات السابقة أن التأثيرات الناتجة عن انخفاض أسعار البترول هي تأثيرات طويلة الأجل، وأن التأثيرات السلبية الناتجة من أي انخفاض طويل الأجل في أسعار البترول لا يمكن علاجها بسهولة.»